"التهجر البيئي".. متغير ديموغرافي يبحث عن موطئ قدم داخل قمم المناخ

"التهجر البيئي".. متغير ديموغرافي يبحث عن موطئ قدم داخل قمم المناخ
آثار الكوارث الطبيعية

بعد أن كان التهجير قائما في الغالب بسبب الاضطرابات السياسية والنزاعات والحروب، بات بسبب الكوارث الطبيعية الناجمة عن ظاهرة التغيرات المناخية.

ومؤخرا انتشر مصطلح "التهجير البيئي"، حيث أُجبر أشخاص من مختلف دول العالم على مغادرة منازلهم جراء وقوع كوارث طبيعية، كالأعاصير والفيضانات والتصحر والحرائق والجفاف وغيرها.

ويحذر خبراء الشؤون البيئية من غرق المدن الساحلية وتدمير المساحات الزراعية، إضافة إلى وقوع كوارث طبيعية، والتي من شأنها أن تمثل ضغوطا بيئية تؤدي إلى تهجير آلاف السكان وعدم توفير الحماية لهم.

ووفق دراسات دولية، يعاني المهجرون بفعل الكوارث البيئية من فجوة الحماية التي يكفلها القانون الدولي للمجموعات الأخرى من المُهجرين، إذ يختلف التعامل مع المُهجرين جراء آثار تغير المناخ عن "المهاجرين قسراً" الذي ينتقلون جراء عدة أسباب متنوعة.

وتقول الدراسات: "لا وجود للصكوك أو القواعد القانونية الدولية التي تتعامل على نحو خاص مع حماية حقوق من يُعزى سبب تهجيره إلى العوامل البيئية أو المناخية".

بوجه عام، تندرج تحت حماية المُهجرين قضايا السلامة والأمن والكرامة والحد من ظروف الاستضعاف، إضافة إلى تأمين أو حماية الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية وكذلك حرية التنقل.

ولا تندرج الضغوط البيئية عموماً وتغير المناخ خصوصاً في التمتع بهذا القدر الواسع من الحقوق المحلية والمكفولة دولياً، ولذلك فإن ضمان الحقوق والحماية جزء من التحدي الأكبر أمام إدارة عواقب التغيرات البيئية لا سيما تغير المناخ. 

وتؤكد الدراسات أن حقوق المهاجرين غالباً ما تُختزل في الحقوق المادية، وذلك على حساب قضية منح الحقوق السياسية التي تمثل تحدياً أكبر بمراحل، لأن المساعدة المادية للتغلب على آثار الفيضانات وتوفير الملجأ في برامج إعادة التوطين.

لكن حماية الحقوق من منظور منظم يتطلب عملية معالجة التباين الهيكلي والنظامي والمخاطر المتضمنة في ظروف الاستضعاف التي تسببها الكوارث وآثار الضغوط البيئية، وهي عملية سياسية في المقام الأول مما يجعلها أكثر إشكالية.

جهود أممية

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن اللاجئين والنازحين داخلياً وعديمي الجنسية هم في مقدمة الأشخاص المتأثرين بحالات الطوارئ المتصلة بالمناخ، فالكثيرون منهم يعيشون في بؤرٍ مناخية، ويفتقرون عادةً للموارد التي تسمح لهم بالتكيّف مع بيئةٍ تزداد قسوةً. 

وتضيف: "تطال الآثار المتلاحقة لتوالي الأزمات الناجمة عن تغير المناخ المجتمعات المعدمة أصلاً، ولا تفسح لها مجالاً للتعافي، لأن الأشخاص الأكثر تضررا عادة ما يكونون من الفئات الضعيفة الذين يعيشون في بعض أكثر الدول ضعفاً وتضرراً من النزاعات".

وتؤكد أن "الكثير من عواقب تغير المناخ يؤدي إلى النزوح، وتردي الظروف المعيشية في آنٍ معاً، أو يعيق عودة الأشخاص الذين كانوا قد نزحوا أصلاً، كما تزداد الموارد الطبيعية المحدودة كمياه الشرب شحّاً في الكثير من مناطق العالم التي تستضيف اللاجئين".

وتشير المفوضية الأممية إلى أن تغيّر المناخ يلعب دوراً يضاعف المخاطر ويفاقم التوترات القائمة ويزيد إمكانية اندلاع النزاعات والحروب في العالم، مؤكدة أن تواتر الظواهر الجوية القاسية تسبب في رحيل أكثر من 20 مليون شخص من بيوتهم وانتقالهم إلى مناطق أخرى في بلدانهم كل عام.

ووفق المفوضية "يضطر البعض لعبور الحدود في سياق التغير المناخي والكوارث الناجمة عن المناخ، ويتناول الميثاق العالمي بشأن اللاجئين -المعتمد في ديسمبر 2018- بشكلٍ مباشر هذا التحدي المتنامي الأهمية".

ويقر الميثاق الذي اعتمدته أغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن "التدهور المناخي والبيئي والكوارث الناجمة عنه يؤثران بشكلٍ متزايد على دوافع تحركات اللاجئين في العالم".

ومنذ عام 2015، أطلقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مبادرة باسم "منصة النزوح المتعلق بالكوارث"، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وتعد منصة النزوح المتعلق بالكوارث، مبادرة تقودها الحكومات بشأن النزوح المترتب عن الكوارث عبر الحدود، والحد من مخاطر الكوارث، واتفاق باريس المعني بالمناخ.

وتتضمن المنصة مجالات التعاون اتساق السياسات وتبادل المعلومات والتوعية ودعم العمليات والإرشاد القانوني والمعياري، ودعم الحد من مخاطر الكوارث، والعمل المناخي والطاقة النظيفة والاستدامة البيئية وغيرها.

سقطة عالمية

بدوره، قال استشاري المناخ والخبير البيئي، الدكتور ماهر عزيز، إن التغيرات المناخية أدت إلى حدوث كوارث بيئية تسببت في تهجير سكان العديد من المناطق بمختلف أنحاء العالم.

وأضاف عزيز، في تصريح لـ«جسور بوست»: "على سبيل المثال أدى اندلاع الحرائق الشديدة إلى تدمير فرص الحياة والقضاء على موائل بأكملها، كذلك الحال في تغول مياه البحر على الشواطئ والمستوطنات الساحلية وحالات الفيضانات الهائلة المدمرة".

وأوضح: "من أشهر حالات التهجير البشري في السابق بناء السدود الضخمة التي تتسبب في إزاحة الموائل البشرية من مناطق غمر المياه أمام السدود".

وتابع: "يتصاعد حاليا الاعتبار  للتهجير البيئي، لكنه لم ينل بعد الاهتمام الدولي المناسب الذي يضعه على قائمة الأولويات في الأجندة الدولية للمناخ، لكن الأمل معقود على مؤتمر COP 27 الذي سيعقد في نوفمبر القادم بمنتجع شرم الشيخ".

ومضى عزيز، قائلا: "يلزم منح قضية التهجير المناخي ما تستوجبها من العناية اللائقة لإنقاذ مجموعات كبيرة من البشر حال حدوث أحداث متطرفة تجبرهم على الهجرة من موائلها التي تفني إلى موائل جديدة تتوفر بها فرص الحياة".

واختتم حديثه بعبارة: "لا يزال العالم يهتم بلاجئي الحروب أكثر من اهتمامه بلاجئي المناخ، وهذه سقطة تؤخذ على العالم المتحضر، لأن الكارثة التي تحل بلاجئي المناخ ربما تكون أشد وطأة من نظرائهم اللاجئين لأسباب أخرى".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية